إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 31 يناير 2014

مظاهر الحضارة المصرية القديمة



مظاهر الحضارة المصرية القديمة


قد شهدت مصر خلال الحقبة الفرعونية العديد من مراحل النهضة
والتقدم التى تركت إرثاً هائلاً من مظاهر وآثار الحضارة والعمران والعلوم والفنون .

ويقسم المؤرخون الحقبة الفرعونية فى تاريخ مصر إلى ثلاثة أقسام متتالية هى :

- الدولة القديمة .
- الدولة الوسطى .
- الدولة الحديثة .

كما يقسم المؤرخون هذه الحقبة إلى ثلاثين أسرة حاكمة مقسمة على هذه المراحل الثلاث من تاريخ مصر.

العصر العتيق (الأسرتان 1 , 2)

يعود للملك " مينا " الفضل فى تحقيق الوحدة
السياسية لمصر حوالى سنة 3200ق . م ، و استطاع أن يؤسس أول أسرة حاكمة في
تاريخ مصر الفرعونية ، و قد أراد مينا أن يؤمن وحدة البلاد فأقام مدينة قرب
رأس الدلتا سميت فيما بعد بأسم "ممفيس" ، وكانت هذه الوحدة عاملاً هاماً
فى نهضة مصر فى شتى نواحى الحياة .

الدولة القديمة ( الأٍسرات من 3إلى 6 ) :

يعتبرعصر هذه الدولة فترة شباب مصر وقد تميزت بالاستقرار و
الأمن و السلام ، مما يسر تقدمها أقتصادياً و ثقافياً و فنياً ، و قد انعقد
لواء الحكم لملوك الدولة القديمة من بناة الأهرامات حوالي 2800 ق . م بعد
أن انتقل عرش البلاد إلى منف على يد الفرعون زوسر صاحب أقدم هرم معروف و
هو الهرم المدرج بسقارة ، و ازدهرت حضارة مصر في أيام هذه الدولة ، وليس
أدل علي ذلك من أهرامات الجيزة الضخمة للملك خوفو وخفرع ومنكاورع .

العصر المتوسط الأول ( الأسرات من7 إلى 10 ):

بدأ هذا العصر حوالي سنة 2200 ق . م حين انفلت زمام الحكم
من يد الفرعون حتى استطاع " منتوحتب الثاني" توحيد البلاد مرة ثانية .

الدولة الوسطى ( الأسرات 11 , 12) :

بعد أن تمكن" منتوحتب الثاني " أمير طيبة حوالي سنة 2065 ق
. م من إعادة توحيد البلاد قام بتأسيس حكومة قوية نجحت في توطيد النظام و
استتاب الأمن مما ساعد علي انتعاش البلاد اقتصادياً و تقدم الفنون و
العمارة ثم بدأ سنة 2000 ق . م حكم رجل عظيم هو أمنمحات الأول صاحب الفضل
الأكبر في بناء النهضة التي ظهرت أيام الدولة الوسطى .

ولقد حاز ملوك وملكات الأسرة الثانية عشرة شهرة عالمية فى
ميادين السياسة والحرب والثقافة والحضارة والدين ، مثل "أحمس" بطل
التحرير, " امنحوتب الأول" العادل الذى أصدر قانونا بمنع السخرة وبوضع
المعايير العادلة للأجور والحوافز, و"تحتمس الأول" المحارب الذى وسع الحدود
المصرية شمالا وجنوبا ونشر التعليم وتوسع فى فتح المناجـم وصناعـة
التعديـن ، و " تحتمس الثاني" و" تحتمس الثالث" الإمبراطور صاحب العبقرية
العسكرية الفذة وأول فاتح عظيم فى تاريخ العالم , و " تحتمس الرابع"
الدبلوماسي الذى كان أول من اهتم بتدوين وتسجيل المعاهدات الدولية ,
و"امنحوتب الثالث" أغنى ملك فى العالم القديم والذي فتح المدارس " بيوت
الحياة" لنشر التعليم والفنون التشكيلية والتطبيقية ، و"إخناتون" أول
الموحدين وأول ملك فى تاريخ الإنسانية نادى بوحدانية الله خالق كل شـــــئ ,
و" توت عنخ آمون" الذى حاز شهرة فى العالم المعاصر, ومن أشـهـر ملـكات هذه
الأسرة عـلى سبـيـل المـثـال المـلـكـة " اياح حتب" زوجـــة الـــمــلك "
سقنن رع" ، والـــمــلــكــة " أحمس نفرتارى " زوجة أحمس الأول ، والملكة "
تى" بنت الشعب وزوجة امنحوتب الثالث وأم إخناتون ، والملكة " نفرتيتى"
زوجة " إخناتون" والملكة العظيمة "حتشبسوت" التي حكمت مصر قرابة عشرين عاما
وبلغت مصر فى عهدها أعلى قمة فى الحضارة والعمارة والتجارة الدولية حيث
أرسلت البعثة البحرية التجارية والعلمية إلى بلاد " بونت" كذلك شيدت واحدا
من أعظم الآثار المعمارية وأكثرها روعة وفخامة وهو معبد " الدير البحري"
على الشاطئ الغربي للنيل فى مواجهة الأقصر وهو معبد فريد فى تصميمه وليس له
مثيل بين معابد العالم القديم كلها ، كما شهد هذا العصر أيضا " ثورة
إخناتون الدينية" حيث دعا إلى عبادة إله واحد ورمز له بقرص الشمس وأنشأ
عاصمة جديدة للبلاد وأسماها "اخيتاتون".

العصر المتوسط الثانى ( الاسرات من 13 الى 17 ) :

خلال عصر الأسرة الثانية عشرة حوالي سنة 1725 ق

م قامت القبائل الرعوية التي كانت تسكن في فلسطين و أطلق عليها أسم
"الهكسوس" بالإغارة على مصر واجتياح اراضيها ، فلما أخذت قوة الهكسوس في
الضعف ، هب أمراء طيبة يكافحون في سبيل استرداد حرية بلدهم المسلوبة و قد
كتب الله لهم النجاح وتمكن أحمس من الاستيلاء على عاصمتهم في الدلتا و
طردهم من البلاد .


الدولة الحديثة ( الاسرات من 18إلى 20 ) :

بعد أن طرد احمس الهكسوس رجع الى بلاده سنة 1571 ق . م حيث
قضى على ثورات النوبيين جنوباً واتجه الى الاصلاح الداخلى فى البلاد واهتم
بإنشاء جيش عامل منظم وسلحه بكل الأسلحة المعروفة فى ذلك الوقت وزوده
بالعجلات الحربية، ويُعد رمسيس الثانى من أشهر ملوك هذه الدولة وتعتبر
حروبه آخر المجهودات التى بذلها ملوك الدولة الحديثة فى سبيل المحافظة على
الوحدة وقد انتهت خصومته مع ملك الحيثيين بتوقيع معاهدة عدم اعتداء بين
الطرفين بعد معركة قادش ، وتُعد هذه المعاهدة أول معاهدة سلام فى التاريخ
واصبحت مصر قوة كبرى ، وصارت بذلك امبراطورية عظيمة مترامية الأطراف .

العصر المتأخر ( الأسرات من 21إلى 30) :

كان هذا العصر فصل الختام في التاريخ الفرعوني حيث تعرضت
مصر منذ حكم الأسرة 21 وحتى الأسرة 28 لاحتلال كل من الآشوريين عام 670 ق.م
، ثم الفرس حتى انتهى حكم الفراعنة مع الأسرة الــ 30 ودخول الإسكندر
الأكبر مصر .

فنون الحضارة الفرعونية :

العمارة : برع
المصريون فى فن العمارة وآثارهم الخالدة خير شاهد على ذلك ففي الدولة
القديمة شيدت المصاطب والأهرامات وهى تمثل العمائر الجنائزية، وأول هرم بنى
هو " هرم زوسر" ، ثم "هرم ميدوم"، إلا أن أشهرها جميعاً أهرامات الجيزة
الثلاث وتمثال أبو الهول وشيدت فى عهد الأسرة الرابعة وبلغ عدد الأهرامات
التي بُنيت لتكون مثوى للفراعنة 97 هرماً .

ثم بدأ انتشار المعابد الجنائزية فى عصر الدولة الوسطى واهتم ملوك الأسرة
الـ 12 بمنطقة الفيوم بأعمال الري فيها، وأشهر معابد أنشأها ملوك هذه
الأسرة معبد " اللابرانت" أو "قصر التيه" كما سماه الإغريق والذي شيده
الملك " أمنمحات الثالث" فى هوارة قرب الفيوم كما شيد القلاع والحصون
والأسوار على حدود مصر الشرقية. ويعتبر عصر الدولة الحديثة أعظم فترة
عرفتها أساليب العمارة والصور الجدارية والحرف والفنون الدقيقة التي تظهر
على حوائط بعض المعابد الضخمة المتنوعة التصميمات كالكرنك والأقصر وأبو
سمبل .

ويعتبر عهد " تحتمس الأول" نقطة تحول فى بناء الهرم ليكون
مقبرة، ونحت مقابر مختفية فى باطن الجبل فى البر الغربي بالأقصر تتسم
بالغنى والجمال فى أثاثها الجنائزي ويظهر ذلك بوضوح فى مقبرة الملك " توت
عنخ آمون" .

وقد عمد فنانو هذه الدولة - للحفاظ على نقوش الحوائط - إلى استخدام الحفر
الغائر والبارز بروزاً بسيطاً حتى لا تتعرض للضياع أو التشويه، وآخر ما
اكتشف من مقابر وادى الملوك مقبرة أبناء رمسيس الثاني التي تُعد من أكبرها
مساحة وتحتوى على 15 مومياء .

أما المسلات الفرعونية فقد كانت تقام فى ازدواج أمام مداخل
المعابد وهى منحوتة من الجرانيت، ومن أجمل أمثلة عمائر عصر الإمبراطورية
المصرية القديمة معابد "آمون" و"خـــوفـو"و"الــكـرنـــك"و"الأقـــصر"
و"الـرمـسيــوم" و" حتشبسوت" بالبر الشرقي والمعابد الـمـنـحـوتة في
الـــصخـر مـثـل"أبـو سـمـبل الـكــبــيـر" و"أبو سمبل الصغير " .
وظهرت اتجاهات جديدة فى فنون العمارة والفنون التشكيلية
والتطبيقية وضحت بصورة واضحة فى فن نحت التماثيل الضخمة والصغيرة وزخرفة
أعمدة المعابد والنقوش الجدارية .

الأدب :

تؤكد آثارالمصريين براعتهم فى الكتابة والأدب ويظهر ذلك واضحاً فيما تركه المصريون
من آثار، ولن ينسى التاريخ فضل المصريين على الإنسانية فى اختراع الكتابة
التي سماها الأغريق "بالخط الهيروغليفي" وتتكون الأبجدية الهيروغليفية من
24حرفاً .. واستخدم المصريون القدماء المداد الأسود أو الأحمر فى الكتابة
على أوراق البردى .

وبرع المصريون فى الأدب الديني الذى تناول العقائد الدينية
ونظرياتهم عن الحياة الأخرى وأسرار الكون والأساطير المختلفة للآلهة
والصلوات والأناشيد ومن أقدم أمثلة الأدب الديني " نصوص الأهرامات و "كتاب
الموتى " .

كما برع الأديب المصرى القديم فى كتابة القصص وحرص على أن
تكون الكلمة أداة توصيل للحكمة وآداب السلوك وظل المصريون حريصين على رواية
تراثهم من الحكم والأمثال وعلى ترديدها بأعيادهم واحتفالاتهم وتقاليدهم .
وبذلك كان المصريون من أحرص شعوب العالم على تسجيل وتدوين
تاريخهم والأحداث التي تعرضوا لها فى حياتهم وبهذه الخطوة الحضارية ظهر
العديد من الأدباء والحكماء والمثقفين المصريين الذين تركوا لنا أعمالا تدل
على مدى رقي الفكر والثقافة فى مصر .

الموسيقي :

أحب المصرى الموسيقى والغناء، وأقبل المصريون على الموسيقى واستخدموها في تربية النشء
وفي الاحتفالات العامة والخاصة وخاصة فى الجيش، وكذلك استخدموها فى
الصلوات ودفن الموتى. وقد عرف المصريون فى عصر الدولة القديمة آلات النفخ
والوتريات مثل "الهارب" (اسمها الفرعوني تيبوتى) وابتدعوا أنماطا وأشكالا
من الآلات التي تؤدى الإيقاعات والنغمات المختلفة وقاموا بتطويرها عبر
مراحل تاريخهم القديم .

التزين :

عرف المصريون التزين بالحلى , وتميزت مصنوعاتهم بالدقة
الفنية العالية وجمال التشكيل ، واستمدت العناصر الزخرفية من الطبيعة مثل
نبات البردى والنخيل وزهرة اللوتس والأحجار الكريمة ، واستخدموا التمائم
التى اعتقدوا انها تحميهم من قوى الشر ، وحرصت المرأة بصفة خاصة على
الإهتمام بزينتها واستخدمت الكحل والأساور والعقود والخواتم والقلائد
والحنة، كما اختلفت الملابس فى مصر الفرعونية من طبقة إلى أخرى ، وكانت
الملابس تصنع من الكتان الناعم أو من الأقمشة الحريرية المستوردة من بلاد
سوريا القديمة، كما تنوعت الملابس باختلاف المناسبات

مقومات الحضارة المصرية



إن إلقاء نظرة فاحصة على الجوانب المختلفة للحضارة المصرية القديمة وعلى الكثير من الجوانب فى حياتنا المعاصرة، سوف تؤكد لنا أن هناك تواصلاً بين الماضي والحاضر فى الكثير من تقاليدنا التى ورثناها وكذلك فى بعض المعتقدات الدينية.

لقد حظيت مصر بحدود طبيعية آمنة، وصحراوات في الشرق والغرب، وبحر في الشمال، وجنادل تعترض مجرى نهر النيل في الجنوب، ومنحها الله مصدراً ثابتاً للمياه، وهو نهر النيل، وأرضاً منبسطة سهلت الاتصال بين المصريين بعضهم البعض، وبينهم وبين جيرانهم، ومناخاً معتدلاً حقق لهم الخير، وأشاع في نفوسهم البهجة والاطمئنان، وموقعاً متميزاً ربطهم بقارات الدنيا الثلاث الرئيسية.

كل هذه العوامل وغيرها جعلت من الإنسان المصري إنساناً متميزاً يملك من الإمكانات ما يجعله ينجز ويبدع، لتتبوأ مصر مكانتها المرموقة عبر العصور.

ونجح إنسان ما قبل التاريخ في مصر في شمال البلاد ووسطها وجنوبها في أن يضع اللبنات الأولى للإبداع المادي والفكري، وشكل أساسيات حياته، فأوقد النار، واستأنس الحيوان، وعرف الزراعة. وما أن تحقق له الاستقرار، وبدأ حينئذ يتوجه بنظرة المتأمل إلى الطبيعة الكونية، ومظاهرها الموحية، لاسيما دورة الموجودات بين الولادة والحياة والممات والبعث. وبقدرته على الملاحظة واستقراء الأمور، أدرك الإنسان المصري أنه لابد وأن يمر بنفس الدورة، يعيش لفترة مؤقتة، ويموت لفترة مؤقتة، ثم يبعث من جديد إلى أبد الآبدين. ومن هنا كانت البداية، بداية تلك الكلمتين السحريتين اللتين غلفتا الحضارة المصرية بقوة الدفع والإبداع، ألا وهما: البعث والخلود.

وهكذا فالمصري القديم إنسان آمن بأنه يحيا ويبدع وينجز لكي يتحقق له كل ما يتمناه في عالم بلا فناء، وهو عالم الخلود.

وهكذا هذا شمر الإنسان المصري عن ساعديه، وأعمل العقل والفكر، وبدأ مسيرة الإبداع.

وكانت البداية في التفكير في القوى التي تحرك هذا الكون، ومن الذي خلق هذا الكون وما فيه من كائنات. فاتخذ لنفسه آلهة وإلهات، ولأنه لم يكن يستطيع أن يحدد ماهية هذه الآلهة، فقد اختار لها رموزاً آدمية أو حيوانية، أو طيوراً أو غيرها، إذ رأى أن بها خصائص تلك الآلهة التي فكر في عبادتها.

وخطا خطواته الأولى نحو الفن، وبدأ يضع ضوابط المدارس الفنية في النحت والنقش والرسم، وفعل الشيء نفسه بالنسبة للزراعة والصناعات الحرفية، والإدارة وتقاليد الملكية، بعدما توحدت البلاد على يد مجموعة من القادة، من بينهم نعرمر وعحا.

وتوج المصري إبداعاته بمعرفته للكتابة التي جعلت مصر من أسبق شعوب الأرض في هذا المجال. ولم يكتف المصري بخط واحد هو الخط الهيروغليفي، وإنما توج فكره ومنح مصر خطوطاً أخرى، هي: الهيراطيقي، والديموطيقي، والقبطي. وعاشت اللغة المصرية أطول فترة في تاريخ لغات العالم القديم. ولا تزال تعيش بين ظهرانينا في أسماء بلدنا ومدننا وقرانا، بل وفي لغتنا الفصحى والعامية.

ومن العلامات البارزة على الطريق توصُّل المصري لصناعة الورق من نبات البردي، لينتقل من مرحلة الكتابة على الحجر إلى الكتابة على مادة سهلة خفيفة الحمل، وليلعب البردي دوراً كبيراً في نقل الإبداع عبر الأرض المصرية في سهولة ويسر، ولنقل الثقافة المصرية خارج أرض مصر. ويتابع المصري مسيرة الإبداع في العمارة والهندسة والفلك والطب والكيمياء والجيولوجيا، وتفوق على نفسه في هذه العلوم من خلال الشواهد التي تمثل علامات بارزة على طريق الحضارة المصرية القديمة.

ونقف جميعاً مبهورين أمام رأس عجائب الدنيا السبع (الهرم الأكبر)، من حيث دقة الزوايا وأسلوب البناء. ويظل الهرم شامخاً معبراً عن فكر هندسي ومعماري متميز، وعن عقيدة واضحة، ملهماً لكل الأجيال، ومذكراً لنا نحن الأحفاد بعظمة الأجداد، وضارباً بعرض الحائط كل دعاوى الحاقدين على الحضارة المصرية، والمتشككين في مصرية هذا الإعجاز الذي نشتم فيه فكر وجهد وعرق المهندس والمعماري والعامل المصري.

ويسبق المصريون غيرهم في معرفة فنون الكتابة، ولاسيما بعد التوصل إلى صناعة الورق من نبات البردي. وفي مجال الأدب خلفوا الكثير من الروائع في مجال الحكم والنصائح والأناشيد التى كانت مصدر إلهام فى الآداب الشرقية القديمة، فالصلة بين نشيد اخناتون والمزمور 104 من مزامير النبي داود ما زالت ماثلةً أمامنا. وحكم "آمون إم أوبت" كانت مصدراً لسفر الأمثال. وليس هذا فحسب، بل كان للمصريين الريادة في الفنون، فأثروا فنون المسرح والموسيقى في بلاد اليونان وغيرها.

ومن مظاهر الحضارة المصرية القديمة

--* أولا الحياة الدينية --*

أسباب غموض الديانة المصرية القديمة

1- تقديس الحيوان والطير :

1.اعتقد المصري القديم أن هناك قوى ترمز إلى ربه تتمثل عنده في الطير والحيوان والحجر فقدسها.
2.أدى ذلك إلى غموض الديانة المصرية القديمة واتهام المصريين بفساد التفكير لعبادتهم الطير والحيوان .

2- العودة إلى الماضي :

1.تميز المصري القديم بالميل للعودة إلى الماضي ومزجه بالحاضر.
2.لذلك يلاحظ أن ما قدسه المصريون في أيامهم الأولى قدسوه أيضا إلى جانب ما قدسوه فيما بعد.
3.أدي ذلك إلى أن المعتقدات القديمة عاشت إلى جانب الجديدة فتعقدت النظريات الدينية.

3- الاعتماد على السحر:

1.اعتقد المصريون القدماء في السحر والقوى الخفية التي تتحكم في أعمالهم فتفننوا في ألوان السحر وفنونه
2.أدى ذلك إلى جو من الغموض في الديانة المصرية القديمة
لكن العلماء رغم كل هذه الصعوبات توصلوا إلى معرفة الكثير من الحقائق عن عقائد المصريين القدماء

خصائص الديانة المصرية القديمة

تعدد الآلهــــــــــــــة:

1- كان لكل إقليم معبود خاص التف الناس حوله ولجأوا إليه وقت الحاجة.
2- كانت هذه المعبودات من وحي الطبيعة والبيئة كالوحش والطير وغيرها.
3- قدسوا الأسد اتقاء لشره وقدسوا الصقر عندما لاحظوا قدرته على الطيران فجعلوه رمزا للشمس.
4- أعجبوا بطير من فصيلة أبو قردان لقدرته على البحث واتخذوا منه رمزا للعلم ( الإله تحوت ) قدسوا البقرة للرحمة والأمومة فيها وأسموها ( الآلهة حتحور )
5- قدسوا عناصر الطبيعة مثل الماء والهواء والأرض والسماء والشمس والقمر.
--* الإلهة المصرية و مراكز عبادتها --*

الآلهة ومراكز عبادتها :

أوزوريس العرابة المدفونة سوهاج حتحور دندرة غرب قنا حورس إدفو بتاح منف أمون طيبة أتون تل العمارنة أنوبيس أبيدوس

--* الاعتقاد في البعث والخلود:

1- اعتقد المصريون القدماء أن الإنسان سيبعث ثانية بعد الموت ويحيا حياة الخلود.
2-لذلك دفن المصريون أمواتهم منذ ما قبل التاريخ ومعهم الطعام والشراب وما يحتاجون إليه
3- كانت الطبيعة المصرية هي السبب في التفكير في البعث فالشمس تغرب ثم تشرق من جديد في الصباح . والنيل ينقص ماؤه ثم يفيض من جديد
4- استلزم اتصال الروح بالجسد مرة أخرى حفظ الجسد سليما ولذلك وضعوا الأجساد في قبور حصينة بعيدا عن الماء والرطوبة وأيدي اللصوص
5- ملأ المصريون جدران القبر برسوم للميت وصور من حياته وصنعوا للميت تماثيل زيادة للتأكد.

--*الإيمان بالثواب والعقاب:

أ‌- اعتقد المصري القديم أن الروح تتعرض للحساب فيقف الميت أمام محكمة تتكون من 42 قاضي يمثلون أقاليم مصر ويقوم بذكر أعماله الحسنة ويتبرأ من الأعمال السيئة كالسرقة والقتل والكذب واكل مال اليتيم وشهادة الزور.
ب‌- يتم وزن قلب الميت بوضعه في احدي كفتي ميزان وفي الكفة الأخرى ريشة تمثل ( الآلهة معات ) آلهة الحق والصدق فإذا رجحت موازينه كان دليل على طهره وان خفت موازينه كان ذلك دليلا على انه شرير فيذهب إلى عذاب الجحيم.
ج- للعالم الآخر عند المصريين القدماء صورة خاصة عندهم حيث كانت الجنة لديهم حقولا خضراء وكانت صورة الجحيم مروعة

السمـو إلى التوحيـــــــد:

مر المصريون في حياتهم الدينية بثلاث أطوار هي:-

ا- طور التعدد: اتخذ فيه الناس أربابا مختلفة فكان لكل قبيلة رب ولم تكن النظم الاجتماعية تقرب بين القبائل وبعضها.
ب- طور التغليب والترجيح
--* استمر فيه الناس على عبادة أربابهم ولكنهم غلبوا أشهر الأرباب ورجحوها فكانت لها الزعامة
--* الدولة القديمة : جعلوا الشمس أول معبودا تهم وجعلوا الإله ( بتاح ) في مدينة منف رأس المعبودات.
--* الدولة الوسطى والدولة الحديثة : كان للإله آمون المركز الأول فكان ملك الآلهة جميعا
ج- طور النضج في التفكير الديني والسياسي والاجتماعي :

نادي اخناتون باله واحد هو الشمس ويرسل الأشعة للأرض فيحمل النور والحياة.
لم يرمز للإله الواحد إلا بهذه الصورة ولم ينحت له تمثالا ولم يجعل له زوجة أو أولاد
1-اعتقد المصريون في وجود آلهة تحكم على أعمالهم فحرصوا على إرضاء هذه الآلهة بإقامة الصلوات والشعائر لها
2-قام المصريين بتنفيذ أوامر الآلهة من الفضائل مثل الصدق والأمانة والحب فكانت حياتهم نقية صالحة.
3-امتزج الدين بحياة المصريين فأثر في علومهم وفنونهم وآرائهم كما في فن العمارة وفي الطب لحفظ الأجساد وفي الكيمياء.
4-تمتع رجال الدين بمكانة ممتازة بين أفراد الشعب.


فضل الحضارة المصرية القديمةعلى حضارات العالم القديم

توافرت لمصر كل المقومات التي يمكن أن تؤدي إلى قيام حضارة ناجحة، فهي تتمتع بموقع متميز عند ملتقى ثلاث قارات هي أسيا وأفريقيا وأوروبا، ويمر عبر أراضيها نهر النيل العظيم الذي قامت على شاطئيه الحضارة. وتوافرت لمصر أيضاً الحدود الطبيعية الآمنة، فصحراءٌ في الشرق والغرب، وجنادل تعترض مجرى مياه النيل في الجنوب، والبحر المتوسط في الشمال، وهي حدود حققت لها قدراً لا بأس به من الأمن والاستقرار.

وتمتعت مصر بميزة سهولة الاتصال بين أجزائها المختلفة، ومرجع ذلك عدم وعورة أراضيها، وعدم وجود سلاسل جبلية تقف حائلاً أمام ذلك، وتمتعت بمناخ مستقر إلى حد كبير، هيأ للإنسان المصري فرصة لأداء عمله في ظل ظروف مناخية مناسبة.
ثم هناك الإنسان المصري الذي كان مؤهلاً للنهوض بعبء هذه الحضارة، والذي تفاعل مع كل المقومات السابقة، فنتج عن هذا التفاعل ذلك الإبداع الحضاري المتميز. وكان الإنسان المصري القديم واثقاً من قدراته على الريادة، ولهذا أطلق على نفسه: "شعب السماء"، أو "شعب النيل"، وهو الشعب الذي خلق من دمع العين، وكل ما عداه من شعوب الأرض خلقت من سائل مهين.

شعب يمتلك كل هذه المقومات، مقومات البناء المادي والمعنوي، كان لابد أن تأتي إبداعاته على مستوى ما تهيأ له من مقومات.
إن الحضارة المصرية منذ أن استوطن الإنسان أرض مصر (في الألف الخامس قبل الميلاد وطوال العصر الفرعوني). قد حققت تقدماً كبيراً في العديد من مجالات الحياة، فأفادت به الكثير من الحضارات المعاصرة، والتي سلمته بدورها للحضارات التي أعقبتها، وهو ما يمكن تتبعه في بعض الجوانب، حتي في حضارة العصر الحديث.

وإذا كانت الحضارة الغربية تدين بالفضل فيما وصلت إليه للحضارة اليونانية، وقلما يسألون أنفسهم عن نشأة الحضارة اليونانية وتطورها، وعن صلتها بالحضارة المصرية، ومدى تأثرها بها.

ورغم أنه لا يمكن للإنسان أن ينكر فضل الحضارة اليونانية في مجالات الفلسفة والطب والفلك والرياضة وكافة فروع الفن، فإنه في نفس الوقت لا يمكن أن نتجاهل اعتراف العديد من العلماء اليونانيين بفضل حضارة مصر وغيرها من حضارات الشرق الأدنى القديم عليهم، فقد درس بعضهم في مصر، وتعلموا الكثير من علمائها في مجالات العلوم والفنون، وقد يتساءل البعض عما إذا كانت الحضارة المصرية القديمة هي أقدم حضارات العالم القديم، أم أن هناك حضارات سبقت أو بدأت في نفس الوقت.

الواقع أن التعريف المحدد لكلمة حضارة سوف يساعد بلا شك على الإجابة عن هذا التساؤل. فإذا كان المقصود بالحضارة مظاهر التقدم التي حققها الإنسان في حياته، فليس من شك في أن الإنسان قد نجح في تحقيق ذلك في العديد من بقاع الأرض في وقت واحد، غير أنه لم يستمر بها ويدفعها للأمام ويطور من نفسه، ويحقق المزيد من الإبداعات كما فعلت الحضارة القديمة.

فالحضارة المصرية مع أنها أقدم الحضارات، إلا أنها في نفس الوقت أكثر الحضارات عراقة وأصالة دواماً وتأثيراً على الحضارات المعاصرة واللاحقة. ورغم هذه الريادة والتأثير الواضح على الحضارات الأخري، إلا أن المرء لا يستطيع أن ينكر فضل الحضارات الأخري في عصور لاحقة، كحضارات البابليين والآشوريين في بلاد النهرين، وحضارة الفينيقيين في سوريا، والحضارة الفارسية في بلاد فارس، والحضارتين اليونانية والرومانية في بلاد اليونان والرومان.

وعندما نلقي نظرة على بعض الجوانب الحضارية، فإننا نتأكد من مدى ريادة وعمق تأثير الحضارة المصرية، فالكتابة مثلاً توصلت إليها مصر حوالي عام 3500 قبل الميلاد، حيث ظهرت الكتابة الهيروغليفية، ثم الكتابة الهيراطيقية، ثم الخط الديموطيقي، ثم الخط القبطي، وذلك قبل غيرها من حضارات العالم القديم.

وإذا كانت مصر لم تعرف الأبجدية الكاملة، حيث قام بناؤها الصوتي على أساس علامات ذات حرف واحد، وأخرى ذات حرفين، وثالثة ذات ثلاثة حروف، وإذا كان الفينيقيون في سوريا هم أول الشعوب التي عرفت الأبجدية الكاملة، فإنهم قد تأثروا في ذلك بالأبجدية السينائية (نسبة إلى شبه جزيرة سيناء)، والتي كشف عن علاماتها في صخور جبل المغارة، وسرابيط الخادم في جنوب سيناء. ومن الأبجدية الفينيقية اشتقت الأبجديتان اليونانية واللاتينية، واللتان اشتقت منهما الأبجديات الأوروبية الحديثة.

وفي مجال مواد الكتابة، فقد نجح المصريون في صناعة الورق قبل غيرهم من نبات البردي، وهو نبات مثلث الساق كان ينمو في الأحراش والمستنقعات، وعلى ضفتي النيل وشواطئ البحيرات.

وظل ورق البردي مستخدماً طوال العصر الفرعوني، وفي العصرين اليوناني والروماني، واستورده من مصر اليونان والرومان، وكان يصدر لبلاد الشرق عن طريق أحد موانئ البحر المتوسط (وهو ميناء جبيل بالقرب من بيروت)، والذي عرف في النصوص اليونانية باسم "بيبلوس"، وهو اسم مشتق من الكلمة الدالة على البردي (Papyrus). وظل العرب يستخدمون ورق البردي حتي القرن العاشر حين أخذوا بالطريقة الصينية في صناعة الورق. ولا يزال ورق البردي يستخدم حالياً في مصر وخارج مصر للأغراض السياحية، وتعبيراً عن التواصل بين الماضي والحاضر.

وفي مجال الأدب (وخصوصاً أدب الحكم، والنصائح والأمثال، والأناشيد)، بلغ المصريون القدماء شأناً عظيماً حيث ترك هذا النوع من الأدب أثراً كبيراً في آسيا، فنشيد اخناتون (أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة والذي حكم في القرن 14ق.م)- هو أول فكر مصري يدعو للوحدانية التي تقوم على عبادة إله واحد هو: آتون (قرص الشمس)، ونبذ تعددية الآلهة التي كانت سائدة في مصر قبل أن يخرج اخناتون على العالم القديم بدعوته الجديدة، واختار مكاناً غير العاصمة طيبة (الأقصر حالياً)، وهذا المكان هو تل العمارنة (مركز ديرمواس، محافظة المنيا)، لكي يقيم فيه، ويدعو منه لإلهه آتون.

لقد ناجى أخناتون إلهه الجديد بنشيد رائع سجل على جدران مقبرة أحد معاونيه، وهو "آي" كبير كهنة آتون، والذي أصبح ملكاً لمصر فيما بعد. ولقد رأي الباحثون في علم الأديان المقارنة أن هناك تطابقاً يكاد يكون كاملاً بين ما ورد في النشيد وما ورد في المزمور 104 من مزامير النبي داود عليه السلام.

ولعل الفقرات التالية التي تم اختيارها من نشيد اخناتون (وهو يعدد هبات وعطايا إلهه آتون) تؤكد هذا التطابق. يقول اخناتون مخاطباً آتون:

"أنت تطلع ببهاء في أفق السماء
يا آتون الحي يا بداية الحياة
عندما تبزغ في الأفق الشرقي
تملأ كل البلاد بجمالك
إن أشعتك تحيط بكل الأراضي التي خلقتها
وعندما تغرب في الأفق الغربي.
تصبح الأرض سوداء كما لو كان كان قد حل بها الموت
ويلف الظلام كل شيء ويعم الأرض السكون
أيها الخالق لبذرة الحياة في النساء
إنك أنت الذي يعنى بالطفل في بطن أمه
لقد خلقت الدنيا كما شئت
أنت الذي يعطي الحياة لكل البلاد الأجنبية
لقد خلقت السماء البعيدة لتشرق فيها
الناس يحيون عندما تشرق، ويموتون عندما تغرب"

هكذا كانت دعوة إخناتون بمثابة الصيحة الأولي في تاريخ البشرية التي تقترب من التوحيد الذي جاءت به الأديان السماوية.

وهناك الحكم التي صدرت عن الحكيم آمون أم أوبت، والتي كانت مصدراً لسفر الأمثال، مما يؤكد فضل المصريين على العبرانيين في تكوين جانب من ثقافتهم عندما بدأوا في القرن الثالث قبل الميلاد في كتابة بعض أجزاء من كتاب العهد القديم.

وفي مجال القصة والرواية، كانت مصر رائدة بين بلدان الشرق القديم، ولا تزال قصص "سنوهي" و "القروي الفصيح" و"نجاة الملاح" وغيرها تمثل البدايات الأولي لأدب القصة والرواية في تاريخ الأدب العالمي.

وفي مجال العلوم، خطا المصريون خطوات واسعة، ففي الطب برع المصريون في فروعة المختلفة، ونعرف من الدولة القديمة أطباء متخصصين في العيون وأمراض الباطنة والجراحة، وسجلوا تفاصيل خبرتهم في هذه الفروع في كثير من البرديات الطبية. وذاعت شهرة الأطباء المصريين طوال عصور الحضارة المصرية، فالطبيب "إيمحتب" من الأسرة الثالثة (وهو نفسه المهندس الذي خطط وأشرف على بناء مجموعة الملك زوسر في سقارة). قد نال قدسية عبر العصور، حتي أنه اعتبر إلهاً، وقارنه اليونانيون بإله الطب لديهم: "إسكلبيوس". ونعرف من خلال الوثائق المصرية القديمة ووثائق الحضارات المعاصرة أن حكام بلاد النهرين وسوريا وفارس وأسرهم كانوا يفدون إلى مصر للتداوي، كما كانوا يبعثون في طلب الأطباء المصريين لمعالجتهم وللبقاء في بلاطهم أحياناً.

وفي علم الفلك بلغ المصريون درجة كبيرة، ويكفي أن نعرف أنهم عرفوا التقويم، حيث قسموا السنة إلى 12 شهراً، وثلاثة فصول، ضم كل فصل أربعة شهور. وكان عدد أيام السنة 360 يوماًً تضاف إليها أيام النسيء الخمسة. وكان رأس السنة المصرية يوافق بدء الفيضان الذي يوافق ظهور نجم الشعرى اليمانية، والذي يحدث حوالي يوم 19 يوليو في تقويمنا الحالي.
وكان المصريون أول من اخترعوا المزولة التي تحدد ساعات النهار، والساعة المائية التي تحدد ساعات الليل. وفي مجال الهندسة والعمارة فيكفي أن يقف الإنسان أمام الهرم الأكبر ليري عبقرية المهندس المصري القديم في ضبط الزوايا وفي أسلوب البناء. وليس يخفى على أحد تأثير العمارة المصرية على العمارة في الكثير من حضارات العالم القديم.

أما في مجال الموسيقى، فالثابت أن الموسيقى المصرية قد انتشرت في ربوع آسيا، ويكفي أن نعلم أن الموسيقى اليوناني "بثاجوراس" واضع أصول النوتة الموسيقية والسلم الموسيقى - قد تعلمها مصر، وأن المهاجرين من المصريين كانوا يعلمون أصول الموسيقى والعزف على الآلات الموسيقية التي اخترعها المصري القديم، والتي انتقلت إلى الحضارات الآخرى (كالناي، والجيتار وغيرها).

وفي مجال المسرح، كانت مصر رائدة في هذا الميدان، فمنذ آلاف السنين وأسطورة أوزير تمثل على المسرح المصري القديم، وهي تعتبر بحق أقدم مسرحيات العالم القديم، وتعلم الأغريق الكثير من المصريين في هذا المجال.

أما في مجال الفن، سواء الفنون التشكيلية كالنحت والنقش والرسم، أو الفنون الصغرى كالحلي والتمائم والأختام وأدوات الحياة اليومية، فقد بلغت آفاقاً بعيدة من الإبداع، وألقت إشراقاتها آثاراً على فنون العالم القديم، فانتشرت بعض خصائص الفن المصري في بعض مناطق الشرق كالساحل الشرقي للهند وبعض جزر الملايو.

وتأثير الفن المصري القديم في فنون حضارات غرب آسيا واضح إلى حد كبير، فقد كانت سوريا وفلسطين على صلة وثيقة بمصر منذ أقدم العصور، وعلى امتداد التاريخ المصري كله. ومنذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، توطدت علاقة مصر ببلدان أخرى في الشرق الأدنى القديم، وترك الفن المصرى بصماته في هذه البلاد، كأشور وفنيقيا وفارس والأناضول، وفي الجزيرة العربية، وخصوصاً في جنوبها في حضارتي سبأ ومعين.

وفي الزراعة يمكن للمرء أن يتبين مدى ما وصل إليه المصري القديم في هذا المجال من خلال أدوات الزراعة التي تزخر بها متاحف مصر والمتاحف العالمية، والتي تأثرت بها الكثير من الحضارات الزراعية في العالم القديم.

هذا بالإضافة إلى ما اكتسبه المصري القديم من خبرة واسعة في مجال تشييد السدود، وشق القنوات، واستصلاح الأراضي، والتي استفادت منها بعض الحضارات. وفي الصناعة أبدع المصري في صناعة أدوات الحياة اليومية والملابس والعتاد والحلي والصناعات الخشبية والمعدنية والأصباغ وغيرها.

وفي مجال الديانة والعقائد المصرية القديمة، يكفي أن بعض بلدان آسيا قد تأثرت ببعض الآلهة المصرية، كما عبد بعضها في بلاد اليونان والرومان. ومن أشهر الآلهة إيزيس التي أقيمت لها المقاصير في أماكن مختلفة في بلاد اليونان والرومان.

ويعتبر الكتاب المقدس نفحة من نفحات الشرق الأدنى القديم، فبقدر ما استمد الكثير من أصوله من بلاد النهرين، إلا أنه استلهم الكثير أيضاً من ثقافة مصر التي سادت بلاد فلسطين لآلاف السنين.

وفي مجال العادات والتقاليد تركت الحضارة المصرية القديمة بعض بصماتها في أفريقيا، إذ لا تزال بعض القبائل الأفريقية تمارس عادات مصرية قديمة، بالإضافة إلى بعض الطقوس الدينية التي تتمثل في وسيلة اختبار قدرة زعيم القبيلة على الاستمرار في إدارة شئون القبيلة، وذلك بمصارعة حيوان قوى، وعندما يصرعه الزعيم يحق له الاستمرار في قيادة القبيلة. هذا الطقس يرجع بجذوره الأولى إلى عيد "سد" أو "العيد الثلاثيني"، وهو العيد الذي كان يجري في بداية التاريخ المصري بعد انقضاء ثلاثين عاما على حكم الملك، وذلك للتأكد من سلامة الحاكم جسدياً وعقلياً، وذلك بالعدو خلف ثور لمدة محدودة، وجذبه من ذيله وإسقاطه أرضاً. وقد تغيرت طقوس هذا العيد من حيث توقيت الاحتفال وأسلوبه، واصبح الملك يكتفي بتقديم القرابين للآلهة للسماح له بالاستمرار في حكم البلاد.

وفي مجال الرياضة البدنية، كانت مصر رائدة بين حضارات العالم القديم، حيث مارس المصريون رياضات كثيرة قبل غيرهم، وتشهد على ذلك المناظر المسجلة على جدران المعابد والمقابر، ولعل أشهرها مناظر المصارعة الرومانية التي سجلت على جدران مقابر بني حسن (مركز أبو قرقاص محافظة المنيا)، والتي ترجع للدولة الوسطي (القرن 20 ق.م) وقد سجل الفنان في إحدي المقابر أكثر من 200 حركة مصارعة مختلفة. وإذا كان الرياضيون قد اعتادوا قديماً وحديثاً أن تبدأ شعلة الأولمبياد من جبل أوليمبوس في بلاد اليونان، فالواجب أن تبدأ من مصر التي عرفت الرياضة قبل اليونان بمئات السنين. وأخذ تأثير الحضارة المصرية على حضارة أوروبا يزداد يوماً بعد يوم، وقد أصاب الأوربيين الانبهار بهذه الحضارة، فخرجوا علينا بما يسمى باسم "الهوس بمصر" Egyptomania، وعبروا عن ذلك الهوس والانبهار بتقليد الحضارة المصرية في عمارتهم وفنونهم وأثاثهم وملبسهم، وفي الكثير من جوانب حياتهم. ومنذ القرن السابع عشر الميلادي والحضارة المصرية تملك على الناس عقولهم. وكان الكشف عن حجر رشيد (احدي مدن محافظة البحيرة) عام 1799 على يد الحملة الفرنسية في مدينة رشيد وفك رموز الكتابة المصرية القديمة (على يد العالم الفرنسي شامبليون عام 1822) بمثابة الشرارة التي انطلق بعدها علم المصريات (Egyptology)، وهو علم دراسة الآثار المصرية، والذي أصبح يدرس في عدد كثير من جامعات العالم، مما يعد تعبيراً عن البحث في أصول الريادة الحضارية التي نبتت في أرض مصر.

وهكذا يتضح من خلال هذا العرض الموجز أن الحضارة المصرية - بحكم عمق جذورها وريادتها وطول عمرها وإبداع عقل الإنسان المصري الذي حمل عبء هذه الحضارة – قد تمكنت من أن تترك بصمات واضحة في الكثير من حضارات العالم القديم، بل ولا تزال بصماتها واضحة في إبداعات ورثة هذه الحضارات القديمة، في معظم قارات الدينا. وتظل الحضارات المعاصرة مدينة للحضارة المصرية ببعض ما أنجزت وتنجز مادياً وروحانياً. ويتزايد عشق شعوب الأرض للحضارة المصرية يوماً بعد يوم، ولا تزال الحضارة المصرية القديمة تجذب الباحثين يوما بعد يوم ينقبون ويدرسون ليتعلموا المزيد من الجوانب الإبداعية لهذه الحضارة.

وإذا كانت الحضارة المصرية القديمة قد تركت بصمات واضحة على بعض الحضارات القديمة، ومن ثم على ورثة هذه الحضارات، فإنها قد تركت بصمات أكثر وضوحاً على جوانب مختلفة من حياة المصريين، لا تزال حية بينهم حتى يومنا هذا، فالكثير من العادات الدنيوية والدينية المصرية القديمة ورثناها بدقائقها، ولا زلنا نمارسها حتي الآن.

وأسماء قرانا ومدننا التي نتداولها الآن هي أسماء مصرية قديمة، وإذا ما أنعمنا النظر في لغتنا العربية، فإننا ندرك أن عدداً كبيراً من المفردات الفصحى والعامية ترجع بأصولها إلى كلمات مصرية قديمة. وبنظرة على الأسماء التى أطلقت على بلدنا عبر العصور القديمة، يتأكد لنا أن ما ورثناه من أجدادنا كثير، ويعبر في نفس الوقت عن تواصل بين حضارة الأجداد وحضارة الأحفاد.





يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق